بين الدولة اللبنانية والمصارف، يقف المودعون اللبنانيون عاجزون، ينظرون الى جنى عمرهم وهو يتبخر وكأن شيئا لم يكن. فبعد سنوات على السياسات المالية الخاطئة والفساد والهدر المالي قررت الدولة اللبنانية بالتواطؤ مع المصارف تحميل المودعين الخسائر بسرقة موصوفة و”على عينك يا تاجر”.
فيما يعاني المواطنون البسطاء الأمرين لسحب رواتبهم واموالهم منذ بداية الأزمة المالية في لبنان قبل ٨ شهور، تتوالى الإجراءات المصرفية المجحفة بحق المودعين الى حدّ الوقاحة، لا سيما بعد قرار المصرف المركزي بـ “لبننة” جميع الودائع الدولارية، عبر إعطاء المودعين أموالهم على 3000 ليرة (قبل رفعه قبل يومين إلى 3800 ليرة)، في عملية “hair cut” مقنعة على جميع الحسابات، حتى أصحاب الحسابات الصغيرة مع اعتماد سعر صرف وهمي لا يتماشى مع سعر الصرف الحقيقي في السوق السوداء الذي تخطى عتبة الـ 8500 ليرة للدولار الواحد.
وأمام هذا الواقع المرير الذي يعيشه المودع اللبناني، حتى الآن لم يُلحظ غضب شعبي طبيعي ضد المصارف بعدما لبستها تهمة سرقة أموال المودعين من قبل أصحاب الحسابات المصرفية المحجوزة.
فهل يستسلم المودعون لتعاميم مصرف لبنان، عبر الخنوع والقبول بالسطو على جنى العمر من قبل المصارف؟ وهل تنجح محاولات حملة الدفاع عن حقوق المودعين بحماية من هم الحلقة الأضعف؟
حملة الدفاع عن المودعين
الناشط في “حملة الدفاع عن حقوق المودعين”، هادي جعفر، اوضح في حديث ل”جنوبية” ان فكرة انشاء الحملة جاءت بعد استشراس المصارف على المودعين في عملية سرقة موصوفة لاموالهم، مشيرا انه عمد انطلاقا من تجربته مع المصارف في الازمة الاخيرة الى المساهمة مع 12 محامياً واقتصادياً وناشطاً في تأسيس حملة الدفاع عن المودعين في لبنان، بهدف حماية ومساندة المودع اللبناني بعدما استولت المصارف على أموالهم، والتي بدأت ورشة عملها في شهر تشرين الثاني الفائت، وكان الهدف الأول للحملة منذ انطلاقها تأسيس رابطة لتكون صوت المودعين بوجه صوت جمعية “المصارف”، قادرة على تمثيلهم في الاجتماعات بظل الخلل الكبير الحاصل في العلاقة.
من حملة الى رابطة لحماية اموال المودعين
في هذا السياق، يؤكّد الناشط هادي جعفر لـ “جنوبية” أن حملة الدفاع عن المودعين أخذت العلم والخبر وسُجلت كرابطة وستُطلق قريباً جداً على أن تضم مودعين من كافة المصارف اللبنانية، مشيرا ان “الرابطة ستدعو قريباً المودعين الى اجتماع عام حيث سوف يجري انتخاب هيئة تنفيذية تمثل الطرف الذي يعتبرونه الأكثر تضررا وضعفا المتمثل بالمودعين لتمثيلهم”.
ورأى جعفر ان اللبنانيين صدقوا كذبة كبيرة في السابق ان أهم القطاعات المصرفية في العالم في لبنان وعن عبقرية التعامل فيها، ومنحوا كامل ثقتهم للمصارف وسلموها رقابهم للذبح. واكتشفوا لاحقاً أن القطاع المصرفي لم يكن ناجحاً بقدر ما كان “طمّاعاً” وتماشى مع أهواء الآخرين، وتابع “لذا أهمية الحملة في السنوات المقبلة ان تراقب كيفية إدارة أموال المودعين لدى المصارف”.
كما أشار جعفر ان “أهمية انشاء الرابطة في هذا الوقت تحديدا وان يكون ثمة جهة تمثل المودعين في الاجتماعات التي تبحث الأزمة المصرفية ومصير أموالهم بوجود جمعية المصارف دون حضور أي جهة تمثل المتضرر الأول”.
وعن قدرة الرابطة على مواجهة المصارف وحماية حقوق المودعين وانصافهم، قال جعفر إن “أملنا قائما على التجربة اذ نجحت الحملة عدة مرات بمساعدة المودعين الذي تواصلوا معها بتحصيل اموالهم، فالحملة تدخلت واجبرت العديد من المصارف بالسماح للمودعين بتسديد قروضهم بالليرة اللبنانية بعدما كانت رافضة، عدا عن تدخل الحملة بالضغط على المصارف والسماح للمودعين بتحويل أموال للخارج”، مشيرا “ان الحملة في الوقت الحالي تشكل عامل ازعاج للمصارف”.
3 مستويات تدخل في عمل الحملة
على المستوى الفردي، الهدف الأساسي للحملة هو انساني، اذ تقدم خدماتها مجانا لأصحاب الحسابات الصغيرة (تحت العشرين مليون ليرة)، والمحامين في اللجنة القانونية بإمكانهم ان يرفعوا دعوى قضائية مجانا دون أي اتعاب مالية. اما بالنسبة للمودعين الكبار فمحامي الحملة يقدمون استشارة قانونية مجانية فقط.
وعلى المستوى القانوني العام، أوضح انه بالإضافة الى محامي الحملة ثمة مستشارين قانونيين سينضمون الى الحملة بهدف تنظيم الإطار القانوني لمواجهة المصارف ككل.
اما على المستوى السياسي، حددت الحملة المعايير المقبولة للحل المالي للأزمة، على ان يكون شاملا، وعادلا من حيث توزيع الخسائر، اضافة الى الشفافية الكاملة بالأرقام”.
الى ذلك أكّد جعفر ان رهن نجاح عمل الحملة هو تعاون المودعين معها وتحركهم لتحصيل حقوقهم ورفع الدعاوى القضائية على المصارف، مشيرا انه “حين تُمطر الدعاوى على أصحاب المصارف ستتغير المعادلة.
التجمع الشعبي
وأمام امعان جمعية المصارف ومصرف لبنان في الاستيلاء على ودائع الناس، ومع استمرار تهاوي العملة الوطنية امام الدولار، دعت حملة الدفاع عن المودعين ومجموعة شباب المصرف، والمرصد الشعبي لمحاربة الفساد، وجمعية المودعين في لبنان، وتجمع لاستعادة الدولة، الى تحرك احتجاجي تحت عنوان “التجمع الشعبي” يوم غد الخميس الواقع في 2 تموز، على ان يكون التجمع الساعة 6:30 مساء أمام مبنى وزارة الداخلية الصنائع للانطلاق باتجاه مصرف لبنان.