كثيرة هي العوامل الدافعة للدولار إلى الارتفاع في وجه الليرة اللبنانية. وقد تكون كافية للإطاحة بها تماماً. فالعوامل كثيرة، والمبادرات الداعمة للعملة المحلية معدومة في المرحلة الراهنة. لكن وعلى الرغم من كل ذلك لا يبدو تسارع ارتفاع سعر صرف الدولار في الـ48 ساعة الماضية أمراً طبيعياً. وحسب معلومات “المدن”، فلا الصرّافين ولا المصارف بريئين من شُبهة التلاعب بسعر الصرف اليوم كما تجار السوق السوداء.
من يرصد مجموعات تجار العملة على مواقع التواصل الاجتماعي لا يحتاج لكثير من الأدلة حتى يتيقّن من ضلوع مصارف، أو ربما سماسرة مصرفيين، كي لا نجزم ضلوع مصارف بقرار رسمي، بعمليات التلاعب بسوق الصرف. فثمة رسائل وتسجيلات واضحة تفضح إمكان بيع الدولارات لبعض المصارف بأسعار تفوق سعر السوق كثيراً.
ويتم تداول رسائل صوتية لتجار وصرافين يؤكدون بيع الدولارات لمصارف عديدة، بينها بنك عودة، بسعر يصل إلى 15000 ليرة و17000 ليرة للدولار الواحد. وليس الحديث عن شراء سماسرة المصارف للدولار من السوق السوداء بالأمر المستجد. فقد حصلت “المدن” في وقت سابق على معلومات، تفيد بتدخّل عدد من المصارف بالسوق من بينها credit bank وبنك بيروت والبلاد العربية، وبنك لبنان والخليج وبنك بيروت وغيرها، فتقوم بشراء ملايين الدولارات يومياً من السوق السوداء، وفق أسعار صرف تفوق كثيراً الأسعار المتداولة.
الطلب نهاية الأسبوع
غالباً ما كان سعر صرف الدولار في السوق السوداء يتصاعد مع نهاية كل أسبوع، لأسباب ترتبط بطلب التجار والمستوردين على الدولار، بهدف إجراء الحوالات المصرفية مع بداية الأسبوع لاستيراد البضائع من الخارج، أو لتخليص بضائعهم المستوردة على الحدود. ووفق أحد الصرافين، فإن الطلب على الدولار اليوم يفوق أضعاف ما كان عليه سابقاً. من هنا لا يبدو مستبعداً ما يُشاع عن دخول لاعب جديد على خط الطلب على الدولار، وهو بعض المصارف، عبر عاملين لديها أو سماسرة يعملون لحسابها.
ارتفاع الطلب من شأنه أن يسرّع وتيرة تصاعد الدولار بشكل جنوني كما هو حاصل اليوم على نحو وصل فيه سعر صرف الدولار في السوق السوداء إلى 12200 ليرة للمبيع، مسجّلاً ارتفاعاً بين 50 ليرة إلى 100 ليرة كل ساعة. وهي حركة غير مألوفة حتى في ذروة الأزمة النقدية. ويأتي الارتفاع الكبير بالطلب في ظل شبه استقرار في عرض الدولار. وهو عرض خجول جداً لا يتعدى 30 مليون دولار في الأسبوع، منها 25 مليون دولار عبر كافة شركات تحويل الأموال (OMT وWestern union وغيرها).
أما وقد استنكرت جمعية المصارف، في وقت سابق، الحديث عن تدخّل بعض المصارف وشراء الدولارات من السوق السوداء، باعتبار أن التزامات المصارف تجاه التعميم 154 تفوق 3.5 مليار دولار، في حين أن السيولة النقدية في السوق اللبنانية لا تتجاوز بضعة ملايين من الدولاارات.. إلا أن ذلك لا يبرئها من شراء الدولارات من السوق. ويقول المصدر إن “هذا كلام أشبه بذر الرماد في العيون”. فالمصارف تشتري الدولارات من السوق لغايات عديدة ترتبط بتعاملاتها مع الزبائن، لاسيما لجهة تشجيعها الكثير من المودعين على إغلاق حساباتهم نهائياً مقابل تقاضي نحو 28 أو 30 في المئة من قيمة وديعتهم بالدولار النقدي.
توضيح بنك عودة
وتعليقاً على التسجيل الصوتي التي يتم تداوله أصدر بنك عودة توضيحاً اعتبر فيه “أن ثمة تسجيل صوتي مفبرك يتّم تداوله على بعض وسـائل التواصل الاجتماعي، ويشير بطريقة مباشرة إلى أنّ بنك عوده يتعامل في السوق السوداء لتبادل الدولار الأميركي” مؤكداً أنّ مضمون هذا التسجيل كاذب مئة في المئة ولا يمت إلى الحقيقة بصلة”. وذكر المصرف في بيانه أنه قام بتأمين السيولة المطلوبة عبر بيع كيانات مصرفية تابعة للمجموعة خارج لبنان.
إغلاق المحال والسوبرماركت
وانعكاساً للارتفاع الجنوني الذي سلكه سعر صرف الدولار، بات من الصعب على أصحاب المحال والسوبرماركت تسعير البضائع بما يتماشى مع دولار السوق السوداء. خصوصاً أن التغيير بسعر الصرف سريع وكبير. فعمدت الكثير من المحال في أكثر من منطقة إلى إغلاق أبوابها في وجه الزبائن، أملاً باستقرار سعر الرصف وإن على ارتفاع. ووفق أحد أصحاب السوبرماركت في منطقة بعلبك، فإنه بات من الصعب جداً تسعير البضائع يومياً وكل ساعة بما يتماشى مع سعر صرف الدولار تجنبّا لتكبّد الخسائر، “أما في حال لم نلجأ إلى تعديل الأسعار تماشياً مع الدولار، فذلك يشكّل خسارة من رأسمالنا التشغيلي. إذ سيتعذّر علينا لاحقاً شراء البضائع وفق سعر صرف أكثر ارتفاعاً”.