لم تترك المصارف منفذاً إلا واعتمدته لاستنزاف أموال مودعيها. فبعدما كانت في سنوات ما قبل الأزمة، تستجدي عملائها لحصولهم منها على بطاقات مصرفية مجانية مسبقة الدفع، أو بطاقات كريديت أو مسحوبة على الحسابات المصرفية وغيرها من منتجات تقدمها المصارف على شكل باقات ترويجية، باتت هذه البطاقات اليوم مدفوعة الثمن. فثمن البطاقات المصرفية يبلغ حالياً مئات آلاف الليرات، مهما كان نوعها أو هدفها.
سوق البطاقات
ومن منا لا يحمل في محفظته بطاقتين مصرفيتين في الحد الأدنى؟ والبعض يحمل 3 أو 4 بطاقات لحساب دولاري وآخر بالليرة، وربما للفريش ماني. وبعض البطاقات تكون متطابقة أحياناً مع اختلاف مدة الصلاحية. ومن المصارف من كان يصدر بطاقات رديفة، كبطاقة احتياطية في حال فقد العميل بطاقته الأساسية، وكلها كانت تقدّم مجاناً… أما اليوم فباتت تكلفة مجموع تلك البطاقات تفوق المليون ليرة في الحد لأدنى. فالبطاقة الواحدة يبلغ متوسط سعر الحصول عليها 300 ألف ليرة في غالبية المصارف.
وليس هذا فحسب. فالمصارف باتت منشاراً يأكل من أموال العميل كيفما تحرك حسابه، ومع كل رأس شهر وبداية كل عام، ومع كل سداد فاتورة أو أي من الخدمات، كفاتورة الهاتف أو الكهرباء وغيرها. وإليكم بعض مستجدات المصارف وآليات استنزافها أموالكم.
رسوم كالمنشار
تحتسب المصارف حالياً أسعار البطاقات المصرفية المسحوبة على الحسابات الجارية بالليرة أو بالدولار (أو ما يُعرف بالدولار المحلي) بنحو 200 ألف ليرة و300 ألف ليرة. أما أسعار البطاقات المسحوبة على حسابات بالدولار الجديد أو الـfresh money، فتحتسبها بـ100 دولار نقداً. وبطاقات الـdebit تعمل المصارف على إيقافها فور انتهاء صلاحيتها وعدم تجديدها.
وتتقاضى المصارف عمولات ورسوف بالدولار على التحويلات. وهي تختلف بين مصرف وآخر، لكنها لا تقل عن 30 دولاراً عن حوالات لا تتجاوز 1000 دولار، وتصل العمولات في بعض المصارف إلى 47 دولار، بمعنى أنه يتوجّب على العميل المصرفي أن يدفع ما يقارب الحد الأدنى للأجور في لبنان كعمولة للمصرف ليجري عملية التحويل إلى الخارج.
وتعمد المصارف في المرحلة الأخيرة إلى فرض رسوم تتراوح بين 25 دولار و50 دولاراً على تجديد العميل لحسابه المصرفي، أي تجديد العقد الذي يربطه بالمصرف، حتى عملية كشف الحساب خضعت لرفع رسومها من قبل المصارف. وهي تتراوح حالياً بين 7 دولارات و10 دولارات. ولم تعف المصارف المواطنين من فرض رسوم مرتفعة على الفواتير الموطّنة لديها كفواتير المياه والكهرباء والهاتف وغيرها.
وقد شهدنا منذ أيام آخر إبداعات المصارف المتمثلة بفرض مصرف IBL رسم بنسبة 5 في المئة على الرواتب الموطّنة لديه، وهي نسبة عالية جداً تقارب قيمتها ضريبة الدخل المفروضة من الدولة على المواطنين. فكيف يمكن أن يسدّد المواطن عمولة للمصرف تقارب قيمتها ضريبة الدخل التي يسدّدها الموظف إلى خزينة الدولة.
الحد من تمادي المصارف
تعتمد المصارف هذه الأساليب وغيرها في إطار ممارسة الضغط على العملاء لتخفيف عدد الحسابات لديها، وتالياً لسد “مزارب السحوبات” من الحسابات المصرفية. ويقول مصدر لـ”المدن” إن المصارف شديدة الحاجة في الوقت الراهن للسيولة، إن بالعملة الأجنبية أو الوطنية. وهي تواجه استحقاقات كبيرة: إن لجهة زيادة الرساميل أو تأمين سيولة وغيرها من الاستحقاقات. من هنا تعتمد فرض عمولات كبيرة على التعاملات كافة، وتفرض قيوداً وتعقيدات على العملاء المصرفيين لتقييد حركة أموالهم أكثر فأكثر. ويلفت المصدر إلى أن بعض المصارف تسعى اليوم إلى إقفال حسابات مصرفية وشطب ودائع والتخلص منها لأي سبب كان. والسؤال هنا: هل من آلية قانونية تحدّ من تمادي المصارف واستنزافها المودعين وباقي عملائها؟
الثابت في ممارسات المصارف هو مخالفتها القانون. ووفق قانونيين كثيرين لا يمكن للمصارف تحت أي ظرف أو ذريعة أن تعدّل في الشروط التعاقدية مع عملائها، من دون حصولها على موافقتهم وإعلامهم بالتفاصيل. وحين يقوم المصرف بفرض رسوم وعمولات جديدة على العميل، يمكن للأخير رفضها والطعن بها باعتبارها باطلة.
ويدعو القانونيون العملاء المصرفيين إلى رفض أشكال ابتزاز المصارف، خصوصاً عندما تصل عملية الابتزاز إلى تهديد العميل بإغلاق حسابه المصرفي نهائياً. فذلك أمر مرفوض قانوناً، ويمكن حينها التقدّم بدعوى ضد المصرف. وقد صدرت أحكام قضائية في هذا الإطار، ففرضت على مصارف إعادة فتح حسابات مصرفية كانت قد أغلقتها سابقاً.