في ظلّ أكبر انهيار اقتصادي في تاريخ لبنان، انهيارٌ وصفته المنظمات والهيئات الدولية بالمتعمّد، أطلّ علينا اليوم رئيس السلطة التنفيذية اللبنانية نجيب ميقاتي، ابن أفقر مدينة على المتوسط وأحد أغنى أغنياء لبنان، ليؤكد حرصه وتمسكه بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وبضرورة بقائه في منصبه كـ”ضابط” خلال هذه الفترة التي وصفها بـ”الحرب”، برغم ملاحقة الأخير من قبل القضاء اللبناني والأجنبي بجرائم نهب وتبييض أموال واختلاس وغيرها من الجرائم المالية الوطنية والدولية الموصوفة.
بمناسبة هذا الخطاب غير المفاجئ من رئيس حكومة إنقاذية باشرَ ولايته بالبكاء، يهمّ “رابطة المودعين” أن تذكّر بما يلي:
أولاً، إن رياض سلامة لا يرقى لرتبة “ضابط” يضبط الأمن الاقتصادي والمالي، وإنما هو بأفضل وصفٍ “حارس” لمصالح أشخاص المنظومة الحاكمة ومافيا المصارف ومهندسٌ لسياساتها المالية الخبيثة الفاسدة وغير الوطنية، ولو كنا في دولة قانونٍ عن حقّ يحكمُها ويشرّعُ لها المخلصون للمصلحة الوطنية والشعبية وذات قضاء مستقلّ وعادل، لكان رياض سلامة اليوم موقوفاً رهن التحقيق ولكانت أملاكه وأصوله محجوزة بالكامل بسبب حكمه غير الرشيد طيلة العقود الثلاثة الأخيرة.
لقد وضعَ رياض سلامة الهندسات المالية والنقدية التي أثرت منها المصارف وقلة من أصحاب النفوذ على حساب المودعين الصغار والمتوسطين خصوصاً، وبذل منصبه لتسهيل الجرائم المصرفية المستمرة منذ سنتين بحق أكثر من مليون لبناني عبر تعاميم باطلة يصدرها غبّ الطلب ويهرطق بها علنياً على القوانين النافذة والدستور والالتزامات الدولية للبنان وعلى كلّ منطق أخلاقيّ. وإن مجرد تجاوز رياض سلامة لصلاحيته كحاكم للمصرف المركزي وقيامه بوضع أسعار متعددة لسعر صرف الدولار الأميركي مهدداً سلامة النقد الوطني يكفي بحدّ ذاته لإقالته فوراً من منصبه.
ثانياً، لم يفاجئنا كلام نجيب ميقاتي ودفاعه الشرس عن رياض سلامة، فهذا تظهير للعلاقة المنفعية الوطيدة بينهما. ونذكّر من لا يعلم بعد بأن هذين الثنائي شاركا، بحسب تحقيقات القضاء السويسري الجارية حالياً، في عمليات لتبييض أموال المودعين مع كل من سمير حنا في بنك عودة، ونديم عون من بنك عودة-سويسرا.
ثالثاً، إن فهم ميقاتي للحروب وتكتيكاتها يدلّ على ضعفه في قراءة التاريخ والحروب، فعن أيّ “حربٍ” يتحدّث رئيس حكومتنا البكّاء؟ وأي “ضابطٍ” فيها هو المدعو رياض سلامة؟ ولو أردنا توصيفَ واقع لبنان اليوم فلن نجدَ أفضل من وصفِ “الإبادة الجماعية” الممنهجة للشعب اللبناني من قبل منظومة حاكمة يشارك فيها سياسيون ومصرفيون وقضاة ورجال أمن وأعمال واحتكار. إن رياض سلامة في هذه الإبادة الجماعية هو أداةُ للمنظومة على الشعب لا “ضابطٌ” لها ولا للشعب.
فاسمع يا نجيب، أردتَ أن تصف أزمتَنا “حرباً”، فليكنْ. ولكنها حربُكم أنتم أيها الحكّام علينا نحن، مودعين وموظفين وعساكر، عمالاً ومهنيين وطلاباً. حربٌ على البلد وشعبه واقتصاده واستقراره وسلامة نقده وثرواته ومستقبل أبنائه. حربٌ أنتم فيها الغزاة، ونحن “الضباط” الحقيقيون الذين سنقاوم عدوانكم وإجرامكم.
سستسمرّ “رابطة المودعين” مع حلفائها في ملاحقة رياض سلامة وأشباهه بكل الأدزات القانونية والمشروعة داخل لبنان وخارجه. وإن أخطأكُم سيفُ القضاء الوطني، لا بدّ للعدالة الدولية من أن تنالَ منكم آجلاً أم عاجلاً.