فاقت وقاحة المصارف كل تصوّر، وتجاوزت بممارساتها كل الخطوط الحمر، فلم تألُ المصارف جهداً إلا واقتنصت الفرص لسلب ونهش أموال مودعين استأمنوها، وبنوا معها ثقة كبيرة على مدار أعوام. وقد وصل إجرام بعض المصارف إلى فرض “خوّة” على رواتب الموظفين الموطّنة لديها، وأولى تلك المصارف IBL bank، الذي قرّر اقتطاع عمولة ثابتة بنسبة 5 في المئة من مجموع الرواتب المحوّلة إلى حسابات الموظفين، المشمولة بخدمة توطين الرواتب.
وكيف لا يشكّل مصرف IBL bank رأس حربة للمصارف في مواجهة المودعين والموظفين محدودي المداخيل، والذين تحوّلوا بطبيعة الحال إلى فقراء، وهو مصرف يضم بين مساهميه أمثال النائب إيلي الفرزلي الذي تلقى لقاح Covid19 مع زملاء له من النواب خلافاً للأصول والأولويات المتّبعة في عملية التلقيح. ولا تخفى على أحد شراسة إيلي الفرزلي في الدفاع عن جشع المصارف وتلاعبها بحقوق العملاء. واليوم حان دور مصرفه في التطاول على رواتب اللبنانيين.
تلويح بالقضاء
منذ قرابة 10 أيام أصدر مصرف إنتركونتيننتال بنك IBL -خلسة- قراراً، يقضي بخصم عمولة ثابتة بنسبة 5 في المئة من مجموع الرواتب المحوّلة إلى حسابات الموظفين في المصرف، إبتداء من الأول من شهر آذار، وقد جوبه القرار بموجة اعتراضات واسعة، تصدّرتها رابطة الدفاع عن المودعين، التي راسلت المصرف المعني بكتاب اعتراض وتهديد باللجوء إلى القضاء، ما لم يتم التوقف فوراً عن تطبيق هذه العمولة.
وطالبت الرابطة في كتابها إدارة IBL بتبرير العمولة على مثل هذه الحسابات، “خصوصاً وأن أي من هذه العمولات او الزيادات غير القانونية ليست ملحوظة في عقود فتح الحسابات، والتي يستنسب مصرفكم فرضها، وأصبحت من قبيل الخوّة المبنية على ابتزاز المودعين والاحتيال عليهم بعد إساءة الأمانة بودائعهم”، ووفق الكتاب. وجاء فيه أيضاً: “إن كان القرار موجّهاً إلى رب العمل الذي يحتجز المصرف وديعته، فهو سيطال الموظف مباشرة براتبه، الذي تدنت قيمته أصلاً بسبب الأزمة المصرفية والنقدية”، مع التأكيد على أنه لا يحق للمصرف تعديل عقد مع عميل بشكل أحادي، ومن دون موافقة الطرفين.
مصارف أخرى؟
إقدام مصرف IBL على هذا القرار، لن يكون فريداً. فعديدة هي المصارف التي من المتوقع أن تحذو حذوه لاسيما المصارف التي “تتكالب” على تأمين سيولة، وإن على حساب الفئة الأضعف بين عملائها. ووفق مصدر مطلع، فإن عدداً من المصارف يحضّر قرارات مشابهة على الرغم من عدم قانونيتها.
وقد جزمت المحامية من رابطة المودعين، دينا أبو زور، في حديث إلى “المدن”، عدم قانونية قرار IBL ومخالفته لقانون الموجبات والعقود. إذ لا يحق للمصرف تعديل أي عقد مع عميل بشكل أحادي ومن دون موافقة الطرفين. مؤكدة الاستمرار بالوقوف في وجه هذا القرار، وكل القرارات المجحفة بحق العملاء المصرفيين وإسقاط هذا القرار تحديداً.
وإذ رأت أبو زور أن هذا النوع من القرارات لا يمكن وصفه سوى بالخوّة، خصوصاً إن المصارف تحتجز أموال المودعين. وبالتالي، لا خيار للمؤسسات بوقف توطين رواتب موظفيها. ما يعني أن المؤسسات تقف اليوم في ظل هذا القرار المجحف بين خيارين “تحت النار”. وجزمت على العمل على إسقاط القرار.
مخالفة IBL
قرار IBL مخالف وغير قانوني بكل المعايير فبالإضافة إلى مخالفته قانون الموجبات والعقود فهو مخالف لما يسمى financial inclusion أو ما يعرف بحماية المودع وهذا الأمر ينظمه مصرف لبنان، ويخالف القرار تعميماً أساسياً صادراً عن مصرف لبنان في وقت سابق، يقضي بفرض ما يُعرف بالـCustomer advocacy، والذي يفرض بموجبه على المصارف بأن يكون عملاؤها على بيّنة ووضوح بكل ما يتم التعامل به معهم. فلا يحق للمصرف إدخال أي تغيير أو تعديل بشكل مفاجئ على عقد أو مستند من دون موافقة العميل. ويشرح المصدر بأنه قبل العام 2019 لم تكن العقود في المصارف تتضمن أي بنود تحدّد نسب العمولات والحسومات أو المصاريف المرتبطة بالحسابات. وكانت العقود تعطي المصرف الحق بالتصرف لجهة تحديد العمولات بمفرده، وعلى الزبون الإلتزام بها.
أما بعد العام 2019، فدخل القطاع المصرفي بمرحلة جديدة تحتّم على المصارف الامتثال الدولي لجهة مراعاة حقوق وموجبات العملاء أو ما يُعرف بالـCustomer advocacy وكل ما يتعلق بهم. وهذا الأمر يفرض على المصرف أن يُرفق كل عقد، لفتح حساب او أي مستند صادر عنه ومرتبط بالعميل، بلائحة واضحة بكافة العمولات والمصاريف والرسوم، على أن تُرفق اللائحة بالمنتج لتستحصل على موافقة الزبون وتوقيعه ومن ثم يتم توثيقها.
ونظراً لكون كافة الحسابات القديمة لم تكن تُرفق بتلك اللائحة من الحقوق والموجبات اعتمدت المصارف تطبيقها مع تجديد كل حساب، وإرفاقه بجدول مع العقد. وبحسب الشروط الجديدة فإن كل تعديل سيطرأ على العقد يجب أن يُبلغ به العميل ويستحصل على موافقته. وهو إجراء لم يعتمده IBL في قراره الأخير، من هنا يمكن الطعن بهذا القرار وإسقاطه فوراً.
التوضيح أو التمويه
ومساء، أعلن IBL BANK أنه “تم تسريب مراسلة بين المصرف وإحدى عميلاته من الشركات وليس الأفراد، والمقصود من هذا التسريب إلحاق الاذى بسمعة المصرف”.
وأوضح المصرف في بيان، ما يلي:
- هذه المراسلة لا تعني على الاطلاق ان المصرف سيسجل اي عمولة اضافية على حسابات الافراد الذين لديهم توطين لرواتبهم.
- ان علاقة IBL BANK بعملائه من الشركات، ومنها الشركة المذكورة بالمراسلة السرية، مبنية على تقييم شامل للعلاقة المصرفية، بما في ذلك الخدمات المطلوبة من المصرف، والتي على اساسها تحدد العمولات المحتسبة على هذه الخدمات والتي تتحملها الشركات المعنية.
- ان IBL BANK يؤكد ان هذه الشروط تعني حسابات الشركة فقط ولا تطال حسابات موظفي هذه الشركة على الاطلاق”.
وبطبيعة الحال، ما يقوله المصرف ليس نفياً على الإطلاق، بل هو محاولة تشويش وتمييع لحقيقة أنه فرض عمولة 5 في المئة “من مجموع الرواتب المحوّلة إلى حسابات الموظفين، المشمولة بخدمة توطين الرواتب” على المؤسسات والشركات، وليس بالضرورة الأفراد. لذا، البيان لا يغير من حقيقة الإجراء غير القانوني، والذي يطال رواتب الأفراد مباشرة.