لا تترك المصارف منفذاً، ولا توفرّ فرصة للإنقضاض على أموال زبائنها إلا وتعتمدها، فلم تكتف باحتجاز الودائع واقتطاع أكثر من 70 في المئة منها، بل تعمد إلى فرض “خوّات” على ما تبقى من أموال، وتجيير كافة التعاميم المصرفية بما يصب في صالحها، من دون الأخذ بالاعتبار مخالفة القوانين والتعاميم نفسها.
وليس التعميم 158 الذي أصدره مصرف لبنان مؤخراً، سوى أداة جديدة بيد المصارف تتيح لها التطاول على أموال المودعين من دون ضوابط أو معايير ثابتة. فالمصارف أُعطيت الضوء الأخضر من قبل مصرف لبنان للتصرّف حيال التعميم 158 باستنسابية مطلقة وتطبيقه بما يتناسب وأوضاعها، شرط تطبيق التعميم بصرف النظر عن الآلية، وفق ما يؤكد مصدر مصرفي في حديث إلى “المدن” بمعنى آخر أوعز مصرف لبنان إلى المصارف بعد رفضها تطبيق التعميم 158 بضرورة تطبيقه “كما يحلو لها”، شرط تمريره.
وانطلاقاً من إطلاق مصرف لبنان يد المصارف على الودائع فيما خص تطبيق التعميم 158 عمدت الأخيرة إلى تطبيقه بما يتناسب ورغبتها. وعليه، وقعت في مخالفات عديدة من شأنها أن تزيد أعداد الدعاوى القضائية في وجهها، وخير مثال على الممارسات “الوقحة” للمصارف بنك لبنان والمهجر، الذي يتعامل مع مودعيه كمن يقتص منهم.
رسوم بنك لبنان والمهجر
وعلى الرغم من المخاطر التي يخفيها التعميم 158 ويُلحقها بأموال المودعين وحقهم بالمطالبة بأموالهم وبمقاضاة المصرف وغير ذلك، فإن المصارف تخالف التعميم نفسه بما يضمن لها سلب المودع المزيد من الأموال وحرمانه حق المطالبة بها أو حتى الاعتراض على ممارساتها. وبنك لبنان والمهجر على سبيل المثال يخالف -كما باقي المصارف- التعميم 158 بأكثر من جانب، وفق ما رصدت “المدن” آلية تطبيقه.
فالمصرف المذكور يفرض على مودعيه الذين وقعوا على مستند استفادتهم من التعميم 158، رسوماً شهرية وفصلية، مخالفاً بذلك ما ينص عليه التعميم 158 لجهة إعفاء الحساب الخاص المتفرّع (Special sub account)، المُنشأ كشرط للاستفادة من التعميم، من أي رسوم أو عمولات. وبحسب شهادة أحد المودعين فإن بنك لبنان والمهجر يفرض رسماً شهرياً بقيمة 15000 ليرة وفصلياً كل 3 أشهر بقيمة 4 دولارات نقدية.
عند موافقة العميل على الإستفادة من التعميم 158 وتوقيعه على المستند أو التعهّد المرفق بموافقته، أُبلغ شفهياً من المصرف أنه سيتم اقتطاع عمولات من حسابه الجديد المتفرّع، وعند طلب العميل الإطلاع على المستند الذي سيتم بموجبه اقتطاع الرسوم منه تطبيقاً للتعميم 158 رفض المصرف ذلك، وبذلك لا يكون المصرف قد خالف التعميم 158 فحسب بل خالف أيضاً قانون النقد والتسليف الذي يرفض فرض أي رسوم على الحساب، فالمصارف تفرض رسوماً وتقوم بممارسات مخالفة من دون أي مسوغ قانوني.
مخالفات المصارف بالجُملة
مخالفة أخرى يرتكبها بنك لبنان والمهجر وبعض المصارف الأخرى، تتمثل بسداد 400 دولار نقداً للمستفيدين من التعميم 158 و400 دولار بالليرة اللبنانية (نصفها نقداً ونصفها الآخر عبر بطاقة مصرفية) وفق سعر صرف 12000 ليرة للدولار، علماً انه حسب نص التعميم 158 فالـ400 دولار المحدّد صرفها بالليرة اللبنانية يجب أن تعتمد سعر صرف منصة Sayrafa، وحسب آخر بيان لمصرف لبنان حول حجم التداول عبر منصة صيرفة فإن سعر الصرف المعتمد هو 17500 ليرة للدولار وليس 12000 ليرة. وبهذه الحالة تكون المصارف قد اقتطعت من الودائع المسروقة أصلاً والمُحتجزة لديها.
نوايا المصارف المبيّتة لخديعة المودع تفضحها العديد من الممارسات. ولعل أبرزها منع المصارف زبائنها من الحصول على نسخة عن المستند أو التعهّد الذي عليهم توقيعه عند موافقتهم الإستفادة من التعميم 158، وبالتالي منعهم من استشارة أحد القانونيين وأخذ المشورة بما يخص مفاعيل التوقيع على المستند.
وقد تختلف المستندات المفروض توقيعها من كافة المصارف. لكنها تتقاطع لجهة إسقاط كافة حقوق المودع بموجب أي مستند سابق تبرئ مسؤولية المصرف من كل ما عدا التعهّد الأخير. كما تُبرئ ذمته من حجز الأموال وتُسقط حق المودع بأي مساءلة قانونية أو مطالبة للمصرف بالوديعة. تحاول المصارف صوغ مستندات وتعهدات تضمن لها التصرف بكامل الودائع كما يحلو لها من دون رادع أو ضابط، بدليل تعديلها المستندات لأكثر من مرة، وعدم توحيدها فيما بينها.