صدر عن ائتلاف استقلال القضاء البيان التالي: حذار تحوير “القانون” للإفلات من العقاب وجّه المحقق العدلي في قضية تفجير المرفأ طارق بيطار في 2 تموز 2021 طلبات إلى عدد من المراجع المعنيّة برفع الحصانة عن عدد من المشتبه بهم. مذّاك، شهدْنا توجُّهاً مطّرداً من تلك المراجع للتنصّل من مسؤوليّاتها في ذلك الخصوص في اتّجاه الحؤول دون قبول أيٍّ منها وتالياً عرقلة التحقيق وضمان فرار المشتبه بهم من العدالة في أخطر جريمة ألمّت بلبنان. وأخطر ما نلحظُه هو أنَّ جلّ تلك المراجع اعتمدتْ للوصول إلى هذه النتيجة، على حججٍ قانونيّةٍ لا تصمد أمام أيّ نقاش جدّي وعمليّاً على تحوير معاني القانون ومقاصده في اتّجاه تسخيره لخدمة نقيض ما وُجِد من أجله: أي الفرار من العدالة. ومن أبرز تلك المساعي التي ندينها بشدّة كائتلاف، الآتية:
أوّلاً، قرار الهيئة المشتركة في مجلس النوّاب بإعادة طلبات رفع الحصانة عن النواب المشتبه بهم (نهاد المشنوق وعلي حسن خليل وغازي زعيتر) إلى المحقّق العدلي بحجّة أنّه يتعيّن عليه تضمينها جميع الأوراق والمستندات تمكيناً للمجلس من التثبّت من جدّيتها. هذا القرار بُني على تحوير جسيم للمادة 91 من النظام الداخلي للمجلس التي توجب على المحقّق العدلي تزويد المجلس بخلاصة عن الأدلّة فقط، وعلى مخالفة جسيمة لسريّة التّحقيق التي تمنع هذا الأخير من تزويد المجلس بالأوراق والمستندات المطلوبة. وهو تحوير جسيم للمادة 92 من النظام الداخلي نفسه التي تلزم الهيئة المشتركة إعداد تقريرها وإحالة الطلبات إلى الهيئة العامّة للمجلس خلال 15 يوماً من ورودها. ويتأكّد ذلك على ضوء طلب الاتّهام الذي وقّعه قرابة 30 نائباً على الأقلّ (منهم أعضاء من الهيئة المشتركة) وجاء فيه حرفياً أنّ إحالة بيطار كشفت شبهات جدّية على هؤلاء.
ثانياً، طلب الاتّهام الذي صدر عن عدد من النوّاب بحقّ الوزراء الحاليين والسابقين المشتبه بهم، بهدف بدء الإجراءات التي نصّ عليها قانون أصول المحاكمات أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. والطلب هو مجرّد مناورة احتياليّة تستكمل الخطوة التي اتّخذتها الهيئة المشتركة للمجلس، وتهدف إلى فتح تحقيق برلماني مؤدّاه التشويش على التحقيق العدلي والمسّ بمبدأ الفصل بين السلطات، وصولاً إلى تهريب المشتبه بهم من قبضة المحقّق العدلي لصالح المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء الذي هو بالواقع مجلس متخيّل لم ينعقد يوماً منذ إنشائه وثمّة استحالة لانعقاده في غياب أكثرية ثلثي النوّاب لقبول طلب الاتّهام. وما يؤكّد الغاية الحقيقية من ذلك الطلب هو أنّ غالبية النوّاب الموقعين عليه هم من القوى السياسية التي ينتمي إليها النوّاب المشتبه بهم، وأنّهم أسندوا اتّهامهم إلى الإحالات الصادرة عن المحقّقيْن العدليين فادي صوّان وفادي بيطار التي كانت تلك القوى صنّفتها تباعاً في خانة الاستهداف السياسي أو الشبهات التي لم تثبت جدّيتها.
ثالثاً، تراشق المسؤولية بشأن البتّ بطلب الإذن بملاحقة المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا. ففي حين يؤكّد القانون أنّ مديرية أمن الدولة تتبع لرئيسَي الجمهورية والحكومة، فإنّ كلا المرجعين أنكرا صلاحيّتهما خلافاً للمنطق القانوني الذي يفرض أن يكون للمتبوع حق إعطاء الإذن بملاحقة مخالفات التابع. وهنا أيضاً تمّ إلباس هذه الحجة لباساً قانونياً من خلال تسريب صدور رأي من هيئة الاستشارات والتشريع يدعم وجهة نظر الرئيسين، مفاده أنّ المجلس الأعلى للدفاع، صاحب السلطة على مديرية أمن الدولة، هو المرجع الصالح. وفي حين انتظرنا أن يحسم المجلس موقفه من الإذن خلال 15 يوماً من تبليغ رئاسة الوزراء الطلب (الحاصل في 5 تموز)، فإنّ المجلس تنصّل من المسؤولية من خلال حجّة قانونية أخرى مفادها أنّ كتاب بيطار وُجّه إلى رئاسة الوزراء وليس إليه وأنّه لم يبلّغ إذاً أصولاً. وما يزيد من ضعف هذه الحجة أنّ أمانة سرّ المجلس هي في رئاسة مجلس الوزراء.
رابعاً، تنصُّل النائب العام التمييزي غسان عويدات من النظر في طلب إعطاء الإذن بملاحقة المدير العام للأمن العام اللواء عبّاس إبراهيم تبعاً لرفض وزير الداخلية محمد فهمي له، بحجّة أنّه تنحّى عن القضية (تغريدة النيابة العامّة في 21 تمّوز). في حين أنّ هذه الصلاحية هي مسؤولية ملقاة على كاهل النائب العام التمييزي الذي لا يمكنه التخلّي عنها بإرادته المنفردة لا سيّما أنّ القانون قد أولاه إيّاها شخصياً.
لكلّ هذه الأسباب،
وإذ نعيد التأكيد على بياننا السابق الصادر في 2 تموز 2021 مطالبين كافّة المراجع بتحمّل مسؤوليّاتها بقبول طلبات المحقّق العدلي برفع الحصانات عن المشتبه بهم من دون إبطاء،
وإذ نجدّد تضامننا الكلّي مع ضحايا تفجير مرفأ بيروت، في معركتهم الكبرى التي يخوضونها لصالح المجتمع برمّته،
فإنّنا في المقابل نعلن الآتي:
أوّلاً، ندين بشدّة استمرار السلطات المعنيّة في اختلاق الإشكالات القانونية الواهية لعرقلة التحقيق وضمان استمرار منظومة الإفلات المعمّم من العقاب، مشدّدين على أنّ أيّ موقف من هذا القبيل هو خيانة للضحايا ومسّ باستقلال القضاء ومبدأ الفصل بين السلطات وتقويض للسيادة الوطنية التي تشكّل السيادة القضائية أحد أهم مقوّماتها،
ثانياً، ندين بشدّة استخدام العنف ضدّ الضحايا وذويهم لمنعهم من ممارسة حقّهم الدستوري في الاحتجاج على التعرّض لحقهم في العدالة، وبخاصّة العنف الذي وقع ضدّهم أمام منزل وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي،
ثالثاً، ندعو النوّاب الموقّعين على طلب الاتّهام إلى التراجع الفوري عنه والإسراع في قبول طلبات رفع الحصانة التي وجّهها بيطار بعدما أقرّوا جميعاً بخلوّها من أيّ استهداف سياسي وبجدّية الشبهات الواردة فيها وذلك سنداً للمادة 98 من النظام الداخلي للمجلس معطوفة على المادة 40 من الدستور،
رابعاً، ندعو رئيس مجلس القضاء الأعلى ونادي قضاة لبنان ونقابتيْ المحامين والقوى الديمقراطية كافة لدعم استقلالية المحقق العدلي طارق بيطار حيال الضغوط السياسية العارمة التي يتعرّض لها صراحة أو تلميحاً. فمن غير المقبول أن نترك قاضياً يواجه مسؤوليات جمّة كهذه وحيداً،
خامساً، ندعو المحقق العدلي إلى اعتبار انكفاء النائب العام التمييزي ورئيسي الحكومة والجمهورية والمجلس الأعلى للدفاع عن ممارسة مسؤوليتهم في إعطاء الإذن بملاحقة عباس إبراهيم وطوني صليبا بمثابة موافقة ضمنية والسير تالياً في ملاحقتهما جزائياً سنداً للمادة 61 من نظام الموظّفين.
وأخيراً، يتعهد ائتلاف استقلال القضاء بأنّه لن يألو جهداً في الوصول إلى العدالة في قضية تفجير المرفأ التي يُؤمل أن تكون بفعل جسامتها الحدث المؤسّس لعدالة الغد.