منذ “17 تشرين”، تتّجه أنظار الكثيرين إلى القضاء آملين منهُ تأدية دور فاعل في التصدّي لفساد السلطة الحاكمة، بخاصّة بعدما اتّضح طابعه التّدميريّ. الأسئلة نفسها طُرحت وبالزّخم نفسه بعدما تعرّضت أجزاء كبيرة من العاصمة ومرفؤها لمجزرة حقيقية وفي أعقاب اغتيال المخرج والباحث لقمان سليم وبروز ممارسة الاختفاء القسري في التعامل مع احتجاجات طرابلس. وفي كلّ من هذه الجرائم، تبقى المؤشّرات السّلبيّة حول قدرة القضاء على تحقيق آمال الناس وتطلّعاتهم فاقعةً بفعل النّهش الذي طاله ويطوله منذ ثلاثة عقود. ومؤدّى هذا النهش هو تحويل القضاء إلى دوائر نفوذ تحكُم لصاحب القوّة ولو عن غير حقّ ولا تحكم أبداً ضدّه، فضلاً عن رواج ممارسات التدخّل في القضاء على أنقاض ثقافة استقلاله. وهذا ما نستشفّه من الخطاب السّرياليّ حول حصانات الوزراء بما يحصر محاكمتهم بمجلس أعلى متخيّل لم ينعقدْ يوماً. ونستشفّه أيضاً من النقاشات حول التدقيق الجنائي ووعود المحاسبة، حيث برزت السريّة المصرفية على نقيض كلّ هذه الوعود كمقبرةٍ يضيع فيها كمٌّ هائل من أسرار الفساد. وأيضاً من فقدان الثقة في حيادية القضاء وقدرته في التحقيق في الاغتيالات تمهيداً لمحاسبة الجهات الضالعة فيها منعاً لمزيد من هدر الدم، بما يقوّض الحدّ الأدنى من مشاعر الطمأنينة والأمان. وقد جاء بيان نادي قضاة لبنان الصّادر بعد أيام من مجزرة بيروت ليؤكّد محدوديّة الآمال المعلّقة على القضاء في ظلّ القوانين والممارسات الحاضرة ويشكّل دعوة للعمل المشترك من أجل استعادة المؤسّسات القضائية. انطلاقاً من ذلك، جئنا نعلن كمجموعة تآلفت على تكوين ائتلاف “استقلال القضاء” الأمور الآتية:
أولاً، أنّ استقلال القضاء وتالياً تحريره من هيمنة السّلطة الحاكمة شرطٌ أساسيّ لبناء الدّولة الديمقراطية العادلة والفاعلة وإخضاع الإدارات العامّة لحكم القانون ومحاسبة المرتكبين فيها، والأهمّ لوضع خطوط حمراء في وجه أيّ حاكم. وهذا أمر يزداد إلحاحاً أكثر من أيّ وقت مضى، حيث أصبحَتْ محاسبة جرائم الماضي شرطاً أساسياً لبناء المستقبل وتعويض الخسائر المتراكمة. ومن هذه الزوايا كافّة، يشكّل استقلال القضاء هدفاً وطنياً يندرج ضمن الهدف السياسيّ الأوسع الذي هو إعادة تكوين السّلطات في لبنان وإرساء النظام الديمقراطي فيه.
فأساس الديمقراطية هو مساءلة الحاكم الذي يستمدّ سلطته من الناس بمنأى عن أيّ حصانة قانونية أو فعلية. وأساس الديمقراطية هو ضمان المساواة التامّة بين المواطنين أياً يكن توجّههم السياسي أو نفوذهم الذاتي أو كبر الطائفة التي ينتمون إليها. وأساس التعايش وبناء الوحدة الوطنية هو أن يطمئنّ كلّ مواطن إلى قدرة المؤسّسات القضائية على حماية حياته وحقوقه وحرّياته من دون منّة من أحد، من هذا الزعيم أو ذاك، فيعيش مطمئناً مع شركائه في الوطن بحرية ومن دون خوف. وهذا كلّه ما لا يمكن تحقيقه إلّا من خلال قضاء مستقلّ.
ثانياً، أنّ استقلال القضاء ليس شعاراً وليس معطىً يتحقّق بمجرّد إعلانه، إنّما هو إنجازٌ يُبنى بقوّة الإرادة ويترسّخ بإحاطته بضمانات واقعيّة وقانونيّة كافية. فكما يحتاج الشعب إلى قضاة يفرضون احترام القانون على كلّ ذي نفوذ، كذلك يحتاج القضاة إلى ضمانات تجعل مبادئ استقلال القضاء حقيقة واقعية وليس مجرّد شعار، كما تُرسّخ لديهم الإرادة والقدرة على أداء الوظائف المأمولة منهم. ولا نحتاج كثيراً من الجهد لنثبت أنّ الضمانة الأهمّ في الواقع اللبناني الحالي تتمثل في قدرتنا على تكوين قوّة اجتماعية قادرة على بلورة تصوّرات مشتركة لاستقلال القضاء وضماناته القانونية وتكريسها في التشريع كما في الواقع، قوّة اجتماعية قادرة على الدفاع عن استقلال القضاء والقضاة وبخاصّة في القضايا الكبرى التي يتوقف عليها مستقبل المجتمع برمّته. ومن هذا المنطلق، جئنا نعلن معاً إنشاء ائتلاف “استقلال القضاء” وهو ائتلاف يتكوّن من مروحة واسعة من الأحزاب والهيئات السياسية الديمقراطية ومن هيئات حقوقية فضلاً عن هيئات نقابية ومهنية وأهلية، وهي تسعى لتوحيد جهودها على أمل أن تشكّل الضمانة الأم، أي الضمانة التي تنتج بفعل قوّتها، الضمانات القانونية وفق أعلى معايير استقلال القضاء.
ثالثاً، في موازاة الإعلان عن هذا الائتلاف، جئنا نعلن عن أوّل بواكيره وهي الصيغة النهائيّة لاقتراح قانون حول استقلال القضاء الإداري وشفافيّته والذي أعدّته “المفكرة القانونية” وسبق عرضه على المناقشة العامّة، وهو يأتي ليستكمل اقتراحاً سابقاً حول استقلال القانون العدلي لا يزال عالقاً في أروقة لجنة الإدارة والعدل منذ أيلول 2018. وسيتصدّى الائتلاف للتسويف المتمادي في درسه أو لمحاولات المسّ بجوهر الضمانات الواردة فيه. ويجدر التذكير هنا أنّ الاقتراح السابق حول القضاء العدلي إنما هدف إلى تحرير واستعادة المحاكم المدنية والجزائية والنيابات العامّة من نير السّلطة الحاكمة وتحكُّمها بالتعيينات والتشكيلات وآليات المحاسبة، بما يضمن المساواة بين الناس أمام القضاء والقانون. أمّا الاقتراح الحالي الذي نتبنّاه اليوم فهو يهدف إلى تحرير واستعادة القضاء الإداري أي المحاكم الناظرة في النزاعات بين الأفراد من جهة والدولة والبلديات والمؤسسات العامّة من جهة أخرى. وهو من هذه الزاوية القضاء الذي يضمن في حال استقلاله ومِنعته، الحدّ من تجاوز السّلطة وإبطال كلّ التصرّفات المخالفة للقانون وللشرعية وتالياً خضوع الإدارات العامّة بجميع تفرّعاتها لحكم القانون. ومؤدّى ذلك مكافحة الفساد وضمان الشرعية ومعها المصالح العامّة والحقوق والحريات الدستورية والقانونية ودرء أي محاولة لاستغلال الدولة ومواردها التي بات أي مسّ بها بمثابة القتل.
ختاماً، ندعو كائتلاف جميع المعنيين والمواطنين إلى تنسيق الجهود، كلٌّ في مجاله ونطاق عمله وتأثيره، لإنجاح مسعانا هذا، أملاً في تحقيق استقلال القضاء في مواجهة ممارسات التدخّل فيه التي لا تعدو كونها مرادفاً لحكم القوّة أو الغاب. فلنعمل معاً من أجل دولة الغد.
الموقّعون:
أحزاب ومجموعات سياسية ديمقراطية
- الحزب الشيوعي اللبناني
- التنظيم الشعبي الناصري
- لحقي
- بيروت مدينتي
- المرصد الشعبي لمحاربة الفساد
- حملة الشعب يريد إصلاح النظام
- منتشرين
- فعل مباشر -Direct Act
- تحالف وطني
- متحدون – United for Lebanon
- مسيرة وطن
- أنا القرار
- لبنان عن جديد –ReLebanon
- المنتدى المدني التشاركي
- مجموعة شباب المصرف
- Street
- انتفاضة شرق زحلة
- الحراك الوطني البرجا
- عن حقك دافع
- لبنان ينتفض
- حراك المتن الأعلى
- عاليه تنتفض
- مجموعة العقد
- ورشة وطن
- تجمع مهنين ومهنيات – هندسة
منظمات حقوقية
- المفكرة القانونية
- جمعية حماية المستهلك
- المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين
- لجنة أهالي المخطوفين
- رابطة موظفي الإدارة العامة في لبنان
- الجمعية اللبنانية لديمقراطية الإنتخابات – LADE
- الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين – ALDIC
- الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركيا
- شبكة مدى
- شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية
- كلنا إرادة
- استديو أشغال عامة
- رابطة المودعين
- Seeds Legal Initiative
- جمعية كفى
- جنسيتي حق لي ولأسرتي
- رواد الحقوق Frontiers
- SMEX
- سكون – المركز اللبناني للإدمان
- حلم
- جمعية عدل ورحمة
- جمعية ألف
- فانيتاس Human Rights Association
- مبادرة غربال
- جمعية الـتأهيل الإنساني ومكافحة الأمية – ألفا