مشروع مسخ لا دستوري يُشرعنُ إجرام المصارف
بعد إسقاط اقتراح سعادة الشامي الأول لقانون كابيتال كونترول واقتراح نقولا نحاس (زلمة المصارف)، وفي لحظة يضيق فيها الخناق القضائي المحلي والدولي على المصارف اللبنانية وحاكمية المصرف المركزي وأزلامهم في السلطة، هرول الشامي لتمرير مقترح جديد، وهرولت المنظومة لعقد جلسة تشريعية لمناقشته الاثنين. المطلوب الآن وبسرعة: حماية المصارف والمصرفيين.
قانون الكابيتال كونترول الجديد القديم هذا، يتضمن تذاكي وقح بإعادة تدوير نسخة ساقطة منه تحت مسميات وتعابير مستحدثة. في هذا المشروع خروقات بالجملة للمواثيق الدولية والدستور والقوانين الوطنية والنظام العام أولها في دباجة “الأهداف” التي وضعت مصلحة المودعين في أسفل أهداف القانون، متذرعة بحماية القطاع المصرفي ولكن على حساب أموال الناس ومنها دونما إعادة هيكلة جدية.
يهم رابطة المودعين أن تبين المخالفات التي إعترت هذا القانون المبتور:
أولاً: استحداث “لجنة” حكومية-نقدية “مؤلفة من وزير المالية، وزير الاقتصاد والتجارة وحاكم مصرف لبنان، ويرأسها رئيس مجلس الوزراء أو وزير ينتدبه” ذات صلاحيات شاملة تغتصب السلطات التشريعية والقضائية والنقدية معاً في بسط سلطتها على تحديد عمليات المصارف و تحديد أسعار الصرف وقيود السحوبات وعملاتها وحركة الأموال وإستعمال الشيكات والبطاقات المصرفية وتشرّع الباب أمامها على إعفاء من تشاء من القيود التي يفرضها القانون على الأفراد والمؤسسات والمصارف وتثبت الإستنسابية التي تجذرت في التعاملات خلال السنتين والنصف الماضيتين من خلال قراراتها النهائية والملزمة غير الخاضعة لأية رقابة من أي جهة كانت دونما آلية واضحة لكيفية درس الطلبات المقدمة ومن أي جهة، وأكثر من ذلك تأخذ هذه اللجنة دور محكمة مصرفية عرفية فتوزع أحكاما بالغرامات بحق المخالفين أفراداً ومؤسسات ومصارف، مختزلة عمل وصلاحيات كل الأجهزة الموجودة أصلا بموجب القانون والتي تحتاج لتفعيل دورها.
فبعد أن سقط مشروع القانون القديم لكونه يضع الصلاحيات المطلقة في يد حاكم مصرف لبنان، جاء المشروع الجديد بإلتفافة أقل ما يقال عنها أنها عبثية بحيث وسع دائرة متقاسمي النفوذ لتشمل ساسة هم مناصرين للمصارف وأجنداتها ومتهمين بملفات لم يصدر فيها أحكام بعد ببرائتهم، وحاكم يُحاكم في الداخل والخارج، ووزراء صدفة بعضهم ظل للحاكم والبعض الآخر تكملة عدد. هذه اللجنة المسخ هي في الوقت عينه المشرّع والقاضي والجلًاد والمحامي والخصم في قضية المودعين، وأعضاؤها يمثلون بمصالحهم المالية المباشرة أو غير المباشرة للمنظومة المالية-السياسية؟ هذه المنظومة التي تمتنعُ منذ عامين ونصف العام تقريباً عن تطبيق القانون أو إيجادٍ حلّ عادل لحقوق المودعين لا بل تعرقل وتفخخ أي حل عادل وشامل وشفاف، فيما تمعنُ في فرض عقود الإذعان وممارسة التعسّف والتنمّر والغشّ والاحتيال والإذلال بحق المودعين والوطن في خضمّ أسوأ انهيار اقتصادي يعصفُ بهم.
ثانياً: يشرع هذا المشروع لما هو تمييز واضح بين المودعين وبين أموالهم في مخالفة لشرعة حقوق الإنسان ويكرس بدعة الـfresh money أو ما يعرف “بالأموال الجديدة” التي بدورها قسمت بين أموال جديدة بمعاملة مميزة وأخرى جديدة بمعاملة الأموال المحتجزة كان من شأنها أن تلعب دور أساسي في تحريك النقد والإقتصاد، محدّداً لسبب بعيد عن كل منطق تاريخ اعتبار هذه الأموال بالجديدة بيوم 9 نيسان 2020
ثالثا: إن تحديد سقوف للسحوبات هو من صلب قانون الكابيتال كنترول إلا أن مثل هذه السقوف لا يجب أن تترك لإستنسابية “لجنة” تقوم بتعديلها من وقت لآخر بدون معايير علمية واضحة، فمن شأن ذلك أن يكمل النهج الهجين في التعاطي منذ بدايات الأزمة ويفتح باباً للإستنسابية و التأويل، كما وأن فرض سقوف للسحوبات لابد أن تراعي حجم كل مودع بحيث لا تطال المودع الصغير أو المتوسط كما الكبير، كما ولابد من تحديد عدم المس بحسابات الرواتب خاصة في ظل الوضع الإقتصادي المتردي الذي نعيشه.
أما لناحية حصر تسديد الودائع بالليرة على سعر صرف منصة صيرفة فإن هذه المنصة حتى اليوم تتعاطى بضبابية فلا نعلم كيف يتم تحديد سعر الصرف عليها ولا نملك أية كشوفات شفافة للتداولات التي يصدرها المصرف المركزي شهريا. عدا عن أن تجربة المنصة لم تنجح بأي شكل في لجم السوق الموازية ولم تحفظ سعر الصرف بل كبدت المودعين خسائر نتيجة لتفاوت هذا السعر وبددت آخر العملات الصعبة الاي تمتلكها الدولة والناس.
رابعاً: ذكر بعض الإستثناءات على سبيل المثال لا الحصر دون تحديد أهمها على الأقل يشرع باب الإستنساب على مصرعيه ويفتح للجنة باب المفاضلة والزبائنية التي اعتدنا عليها من أعضائها، كما أن عدم ذكر الطلاب في أي من الإستثناءات من شأنه أن يسبب كارثة حقيقية للطلاب في الخارج وضربة قاضية لمستقبل الجيل الجديد.
خامساً: عدم السماح بفتح حسابات مصرفية جديدة أو حتى الإشتراك بتلك الموجودة أصلا إنما هو ضرب لهدف وجود المصارف ولفحوى عملها التي وإن كانت تسعى لشيء في المرحلة الراهنة هي إعادة هيكلة ذاتها وإستجرار الأموال وإعادة الثقة التي يعدمها هذا القانون بشد الخناق على الودائع دون أي خطط موازية.
سادساً: يمنح مشروع القانون هذا للجنة الرقابة على المصارف سلطة مراقبة تطبيقه وملاحقة المصارف والأفراد المخالفين، على أن تبلغ “اللجنة” بهذه التجاوزات وتحدد عقوبات، ولكن المستهجن أن لجنة الرقابة هذه بحكم غير الموجودة ولو أنها مارست دورها الرقابي بحسب القانون لما وصلت المصارف لما وصلت إليه، فهذه اللجنة هي لجنة ميتة يحكمها حاكم مصرف لبنان ولم تتحرك لأخذ أي تدبير ولابد من محاسبة أعضائه عن التقصير الذي مارسوه طوال هذه السنوات ولا زالوا، فهم لا أهلية لهم لمراقبة أي عمل ستتخذ فيه أصلا ” اللجنة” المستحدثة القرار الذي تعتبره مناسب، مما يعيد لجنة الرقابة إلى مصافي اللجنة ذات الرأي الإستئناسي.
سابعاً: يثبت مشروع القانون هذا دور المؤسسات المالية الذي كرسه حاكم المركزي في الفترة الماضية، فخلق شراكة معها وباتت هذه المؤسسات وبشكل يناقض القوانين موازية للمصارف وشريكة أولى للمصرف المركزي في عمليات الصرف وغيرها.
ثامناً: لم يجرؤ مشروع القانون على لفظ تسمية القضاء في متنه هذه المرة لناحية تطبيقه على الدعاوى العالقة أمام القضاء، ولكن ذكر في المادة 10 منه بأن أحكامه استثنائية وتشكل جزءً من النظام العام. كما أنها تحل محل أية أحكام أو قوانين تتعارض معها. وتكون أحكام هذا القانون قابلة للتطبيق فوراً بما في ذلك تلك الأحكام التي تتعلق بالتحاويل إلى الخارج أو بالسحوبات في الداخل التي لم تكن قد تمت فور نشر هذا القانون في الجريدة الرسمية ، مما يمكن أن نستنتج بأنه يضرب عمل القضاء وهيبته ويوقف الدعاوى والأحكام التي ممكن أن تصدر في مصلحة المودعين، ولعل هدف هذا القانون الأول هو ضرب القضاء في الداخل والخارج الذي أزعج السلطة السياسية-المالية وحاولت تقويضه ولازالت.
تاسعاً: إن اللجنة التي تتحكم بأمر مال البلاد والعباد حدد مشروع القانون عملها لخمس سنوات قابلة للتجديد بناءا على اقتراح منها نفسها وكأنها الآمر والناهي في هذا الملف وحدها، علما بأنه في خمس سنوات من عمرها سيتغير أعضائها بحسب تغير الحكومة ولعل الثابت الوحيد سيبقى الحاكم، فأي محاولة لتخطي الأزمة وخلق إستقرار نقدي ومصرفي هي هذه التي ستتعرض لنكسات مع كل تغير للأعضاء فيها.
إن “رابطة المودعين” تحذّر من يعتبرون أنفسهم “نواباً” للشعب ومشرّعين باسمه من الموافقة على تمرير اقتراح قانون الـ”كابيتال كونترول” هذا لأنه مشروعٌ مسخٌ وهجينٌ يهدف إلى اغتصاب سلطة القضاء، وشرعنة المخالفات المصرفية الفاضحة للقانون لمصلحة مفسدي الدولة، ، ويسخرُ برقاعة من الدستور والمبادئ والحقوق والحريات العامة التي كفلَها للمواطنين. لن نسمح لسفّاحي الدستور وزمرة الخارجين عن القانون أن يدنّسوا قوانيننا من دون حساب وهذا القانون لن يمر.