أصدر القضاء الفرنسي مذكرة توقيف دولية بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بعد تغيبه المتعمد عن حضور جلسة للتحقيق، حيث كان من المتوقع أن يوجه له الادعاء الفرنسي اتهامات أولية بالاحتيال وتبييض الأموال التهرب الضريببي.
بناءً على ما سبق، يهمّ “رابطة المودعين” وهي التي قامت بتحريك الملفات القضائية وملف العقوبات الدولية منذ بداية الأزمة، وذلك بالشراكة مع العديد من القوى المدنية والشعبية في لبنان والخارج، أن توضح أنها مع اقالة رياض سلامة فورا وتسليمه للقضاء الفرنسي وتعتبر الإجراءات القضائية الخارجية انتصارًا لمسار الضغط الشعبي والقانوني التي قامت به الرابطة وشركاؤها لأكثر من ثلاث سنوات متواصلة.
القضاء اللبناني تخاذل وخذل الوطن والناس والمودعين
قامت “رابطة المودعين” عبر اللجنة القانونية، بتقديم أكثر من ٥٠٠ دعوى مدنية وجزائية في لبنان، كان مصير معظمها العرقلة والتأخير والتأجيل وحماية المصارف والمصرفيين. كما قامت الرابطة أيضاً بتقديم سلسلة اخبارات أمام النيابات العامة تطالبها بالتحرك في وجه حاكم مصرف لبنان وفي مواجهة كافة المصارف التجارية واصحابها ومدرائها بجرائم الإفلاس والاحتيالي وتبييض الأموال والتي كان مصيرها النوم العميق في الأدراج.
وبناءًا على تسريبات تشير الى أن المدعي العام اللبناني القاضي غسان عويدات قام بتحويل أكثر من ٨٠٠ ألف دولار أميركي بعد ١٧ تشرين الأول ٢٠١٩، قامت الرابطة بتقديم شكوى أمام الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد التي رفضت الهيئة حتى تسلمها تحت حجة عدم توفر القدرات المالية التي تخولها مباشرة التحقيق. كما قام العديد من شركاء الرابطة وعشرات آلاف المودعين بتقديم بلاغات ودعاوى أمام القضاء اللبناني، جوبهت معظمها بالمماطلة، أو التدخل السياسي والمصرفي الصريح لعكس نتائج القضاء، أو لعرقلة التحقيق. بناءا عليه، أصبح جليا لكل العاملين في هذا الملف، أن التدخل السياسي والمصرفي السافر في النظام القضائي جعل من لبنان بلدا خارجا عن القانون والمنطق تحكمه شرعة الغاب، حيث الغلبة للأقوى وذوي النفوذ.
في غياب العدالة الداخلية، فرض العقوبات الخارجية خيار استراتيجي.
قامت لجنة الاقتصاد والسياسات في “رابطة المودعين” ومنذ بداية ٢٠٢٠ بوضع خطة للتحرك الدبلوماسي الخارجي هدفه فرض العقوبات الخارجية على أصحاب المصارف، والمعرضين سياسيا، كخيار استراتيجي هدفه قلب المعادلة الداخلية وفرض توازن قوى بين المودعين والمجتمع من جهة والمصرفيين ومن يحميهم من جهة اخرى.
وبناءً عليه، قامت الرابطة بمراسلة أكثر من ٧٠ سفارة أجنبية لفرض عقوبات على أكثر من ١٠٠ اسم تعتبرهم الرابطة مساهمين بعرقلة حل مالي عادل وشامل وشفاف يحمي الدولة والناس.
وبناءً عليه قام وفد من الرابطة بزيارة البرلمان الألماني في ٢٠٢١ والبرلمان الأوروبي في بروكسل في ٢٠٢٢، تمخض عن تقديم التماس قانوني إلى مجلس الاتحاد الأوروبي ودائرة العمل الخارجي بالتعاون مع المنظمة السويسرية “المحاسبة الآن” لفرض عقوبات على مجموعة من السياسيين والمصرفيين. وما زالت الرابطة تتابع الموضوع بدقة مع حلفائها بالداخل والخارج.
كما قامت الرابطة وبالتعاون مع منظمة “المحاسبة الآن” وبالتنسيق مع المجموعات السياسية في الحراك اللبناني ومنهم: لحقي، بيروت مدينتي، لنا، تقدّم، والشعب يقاوم الفساد بتقديم شكوى إلى هيئة الرقابة السويسرية على الأسواق المالية ( FINMA ) طالبت بإجراء تحقيق معمق مع ثلاثة مصارف لبنانية موجودة في سويسرا لمساعدتها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والمقربين منه بجرائم تبييض والتهرب الضريبي. كما قامت الرابطة وشركاؤها بالضغط مع القوى السياسية الحليفة في سويسرا والاتحاد الأوروبي بالدفع قدما نحو محاسبة السياسيين والمصرفيين اللبنانيين بجرم تبييض الأموال، وعرقلة المحاسبة وحل مالي شامل وعادل وشفاف. أثبتت التجربة أن القضاء الدولي أنصف المودعين اللبنانيين والمجتمع ككل فيما تلكأت آليات المحاسبة الداخلية وفي ذلك عبرة لمن يعتبر.
لا بديل عن المحاسبة الداخلية والخارجية، لإصلاح القطاع المالي.
تعتبر “رابطة المودعين” ان المحاسبة الشاملة لكل الجرائم المالية التي تم ارتكابها في لبنان هي جزء لا يتجزأ من أي مقاربة مالية أو سياسية للملف اللبناني وترفض أي خطة مالية أو سياسية تقوم على مبدأ العفو عما مضى، وبالتالي تعتبر ان أي حل مالي سياسي أو تفاوض مع صندوق النقد عليه أن يشمل التالي:
- ضرورة اقالة رياض سلامة ومحاسبته كمقدمة للإصلاح المالي: ان استمرار الطبقة السياسية والقضائية والأمنية بحماية المجرمين وفي مقدمتهم رياض سلامة يضرب ما تبقى من ثقة بمصرف لبنان والاقتصاد الوطني، وبالتالي لا يسع رابطة المودعين إلا الوقوف مع القضاء الفرنسي والمطالبة بإقالة رياض سلامة وتسليمه فورا للقضاء الفرنسي بعد ثبوت تلكؤ القضاء اللبناني عن انصاف الحق. كما تعتبر الرابطة أن مذكرة التوقيف تؤكد المؤكد وهو أن رياض سلامة خارج عن القانون ويجب عزله فورا ومحاكمته. كما تعتبر الرابطة أن التحجج بأن رياض سلامة مطلوب لبنانيا ويتعذر تسليمه هو عذر أقبح من ذنب ويثبت تورط القضاة اللبنانيين في حماية المجرمين.
- ضرورة تعديل القوانين المالية: هناك ضرورة لتعديل قانون النقد والتسليف لناحية عدم ربط جميع مهام المصرف المركزي بشخص حاكمه مهما كان؛ ويجدر وضع ضوابط لعمله، وتوزيع صلاحياته على نوابه، فأي حاكم مستقبلي لمصرف لبنان يجب أن ينفذ سياسة نقدية ومالية مناقضة لكل ما قام به سلامة من اقتصاد الفوائد والريوع والحماية المطلقة للمصارف على حساب الاقتصاد المنتج والناس. فعلى الحاكم الجديد وضع سياسة نقدية ومالية تلغي مفاعيل التعاميم السابقة وتطلق يد التدقيق الجنائي بحسابات مصرف لبنان والمصارف وتعيد تفعيل دور لجنة الرقابة على المصارف بحسب قانون النقد والتسليف لمحاسبة المصارف وتوزيع الخسائر واعادة هيكلة المصارف وتوحيد سعر الصرف ورفع السرية المصرفية.
- إقرار قانون استقلالية القضاء: تعتبر الرابطة ان إقرار قانون استقلالية القضاء مفصلي لبدأ عملية اصلاح قضائي تسمح بتحصين القضاة، ومنع التدخل السياسي في آلية تعيينهم ويعطيهم الضمانات المالية والدستورية الكافية لمحاسبة السياسيين والمصرفيين بالنسبة للجرائم المالية.
- اقالة وكف يد المدعيين العامين: يجب اقالة المدعيين العاميين الذين لم يقوموا بواجباتهم بالتحقيق ومحاسبة رموز الفساد والهدر. وستقوم الرابطة بملاحقة كل من ثبت تورطه في الخارج والداخل.
يهم الرابطة التذكير بأن حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، هو مهندس النظام المالي الذي انتهى بانهيار مالي حطم القطاع المصرفي، وهو مسؤول عن تنظيم خطة الظل المالية بعد ٢٠١٩ التي أودت بجنى اللبنانيين وحمت مجموعة من النافذين من المنظومة السياسية. بنفس الوقت، تشدد الرابطة على أهمية محاسبة رياض سلامة كمقدمة لمحاسبة كل الاحزاب السياسية الحاكمة، وزراء المالية السابقين، ومدراء وأصحاب المصارف. لن يستقيم الوضع المالي دون محاسبة سياسية وقضائية تعيد الثقة بلبنان ومؤسساته.